{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)}{كهيعص} قد تكلمنا في أول البقرة على حروف الهجاء، وكان علي بن أبي طالب يقول في دعائه: يا كهيعص فيحتمل أن تكون الجملة عنده اسماً من أسماء الله تعالى، أو ينادي بالأسماء التي اقتطعت منها هذه الحروف {ذِكْرُ} تقديره هذا ذكر {عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} وصفه بالعبودية تشريفاً له، وإعلاماً له بتخصيصه وتقريبه، ونصب عبده على أنه مفعول لرحمة، فإنها مصدر أضيف إلى الفاعل، ونصب المفعول، وقيل: هو مفعول بفعل مضمر، تقديره: رحمة عبده وعلى هذا يوقف على ما قبله وهذا ضعيف، وفيه تكلف الإضمار من غير حاجة إليه، وقطع العامل عن العمل بعد تهيئته له {إِذْ نادى رَبَّهُ} يعني دعاه {نِدَآءً خَفِيّاً} أخفاه لأنه يسمع الخفي كما يسمع الجهر، ولأن الإخفاء أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، ولئلا يلومه الناس على طلب الولد {إِنَّي وَهَنَ} أي ضعف {واشتعل} استعارة للشيب من اشتعال النار {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} أي قد سعدت بدعائي لك فيما تقدم، فاستجب لي في هذا، فتوسل إلى الله بإحسانه القديم إليه.